الأعشاب البحرية في الغابات المغمورة بالماء يمكن أن تساعد في إيقاف تغير المناخ، وذلك بسبب الكربون الذي تحتجزه هذه الغابات، ولأنه يمكن للمنتجات التي تصنّع من الأعشاب البحرية أن تقلل من انبعاثات الكربون. المصدر: Peter Southwood/Wikimedia, CC BY-SA 3.0

.Eos هذه ترجمة معتمدة لمقالة .This is an authorized translation of an Eos article

ثمة حاويتا شحن مبردتان لا تلفتان النظر موجودتان في ساحة لاصطفاف السيارات بين صالة رياضية وشارع رئيسي في مدينة بورتلاند بولاية مين الأمريكية. بيد أن محتوياتهما الرابضة على أسفلت هذه الساحة غريبة عن هذا المكان: فهي خزانات مهواة لمياه البحر توجد فيها أعشاب بحرية خضراء وبنية اللون، أو طحالب كبيرة، وتبدو أنها ترقص إذ تدور الفقاعات في المياه.

تعود الحاويتان لشركة تدعى Running Tide، ويوفر مرفقها في مدينة بورتلاند “طحالب كبيرة عند الطلب” حسبما قال Nate Beatty، نائب رئيس الشركة للشؤون العلمية. وتحتاج الشركة إلى إمدادات وفيرة إذ يعكف موظفوها حالياً على اختبار طرق لإرسال أطنان من الأعشاب البحرية إلى قاع المحيط.

إن شركة Running Tide هي واحدة من منظمات عديدة تتساءل ما إذا كان يمكن لغمر الأعشاب البحرية أن يكون جزءاً من استراتيجية فعالة للحد من تغير المناخ. وعندما تؤدي هذه الطحالب التمثيل الضوئي، فإنها تحوّل ثاني أكسيد الكربون من أعلى المحيط إلى كتلة أحيائية. وفي بعض أجزاء المحيط، يمكن لغمر هذه الكتلة الأحيائية تحت مئات الأمتار من المياه أن يحجز الكربون بعيداً لمدة مئات أو حتى آلاف السنوات، مما يقلل مستويات الكربون في الجو.

Seaweed grows in a large cylindrical container surrounded by laboratory equipment.
خس البحر ينمو في مفاعلات حيوية ضوئية استطوانية. المصدر: Jennifer Johnson/Running Tide

وبما أن المحيطات تغطي أكثر من 70% من مساحة الكوكب، ثمة الكثير من الأماكن لزراعة الأعشاب البحرية ومن ثم إغراقها. وإذا كان بوسع الشركات بيع اعتمادات بقيمة 100 دولار لكل طن من الكربون تقوم بإغراقه—وهي القيمة التي يقول خبراء عديدون بأن اعتمادات الكربون تصبح مجدية اقتصادياً عندها—فقد تبلغ قيمة سوق هذا المنتج مئات بلايين الدولارات، إن لم يكن تريليون دولار، سنوياً. وبالنسبة للعديد من العلماء وأصحاب المشاريع الريادية، ينطوي هذا النهج على إمكانات مثيرة.

“نحن بحاجة ماسة إلى نهج يضع العلم أولاً”.

لكن تبقى هناك أسئلة مهمة. فمثلاً، إذا أدت زراعة الأعشاب البحرية إلى نضوب كميات المغذيات المتوفرة للأشكال الأخرى من الحياة في المحيط، فحينها هل ستعمل فعلاً على زيادة التخزين الصافي للكربون في المحيط؟ ما الذي سيحدث للنظم الإيكولوجية في قيعان المحيطات إذا خلقت الإنسانية مخازن عملاقة للأعشاب البحرية تحت المياه؟ وكيف سترصد الشركات تأثيرات إرسال أطنان من الأعشاب البحرية إلى قبرها المائي؟

وقال عالم الأحياء البحرية David Siegel من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، “نحن بحاجة ماسة إلى نهج يضع العلم أولاً”. وإذ يشكل تغير المناخ خطراً وشيكاً، يعتقد بعض الناس أن تأخير العمل انتظاراً لإجراء مزيد من الأبحاث هو أمر خطر. وثمة شركات تواصل المضي في هذا المسار ولا تنتظر.

معدلات نمو هائلة

تكمن الجاذبية الإيكولوجية للطحالب الكبيرة في معدل نموها، فتحت الظروف المثالية، يمكن لأحد أنواع الأعشاب البحرية، وهي الأعشاب البحرية البنية اللون، أن تمتد طولاً أكثر من نصف متر يومياً. وتقول الباحثة Kristen Davis من جامعة كاليفورنيا في آرفين، وهي متخصصة في الحالة المادية لشواطئ المحيطات، “يبدو الأمر وكأن بوسع المرء أن يجلس ويراقبها تنمو”. كما أن الكلفة التغذوية منخفضة، فعلى سبيل المثال، تتطلب الأعشاب البحرية البنية العملاقة ما بين 20 إلى 30 ذرة من الكربون لكل ذرة نيتروجين تحتاجها للنمو. (وعلى سبيل المقارنة، تدمج نباتات الفيتوبلانكتون المتناهية الصغر حوالي سبع ذرات كربون فقط لكل ذرة نيتروجين تحتاجها للنمو).

وحظيت ثلاثة أنواع من الأعشاب البحرية بأكبر اهتمام، وهي: الأعشاب البحرية السكرية، والأعشاب البحرية العملاقة—وكلاهما طحالب شاطئية كبيرة تنمو نحو الأعلى من قاع المحيط—وطحلب السرجاسام، وهو أعشاب بحرية ملتفة ومتشابكة تطفو بحرية على مياه المحيط المفتوحة.

Kelp fronds extending through the water column
أعشاب بحرية تنمو في مياه ضحلة في المحيط. المصدر: Jack Drafahl, Pixabay

وسيتطلب تحقيق تأثير ملحوظ في مستوى الكربون في الجو زراعة كميات كبيرة من الأعشاب البحرية البنية اللون أو أعشاب السرجاسام البحرية. وسيلزم حزام من الأعشاب البحرية بعرض 100 متر على امتداد 63 بالمئة من سواحل العالم لإنتاج 0.1 جيجا طن من كربون الأعشاب البحرية سنوياً—1 بالمئة مما يجب حجزة بحلول نهاية القرن لإبقاء الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين—وفقاً للجنة مكلفة من الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في الولايات المتحدة. أما بالنسبة لأعشاب السرجاسام البحرية التي تنمو في المحيط المفتوح، فسيتطلب الأمر مزرعة تبلغ مساحتها نصف مساحة ولاية أيوا الأمريكية لتحقق تأثير مماثل.

وقال Siegel الذي كان عضواً في اللجنة التي شكلتها الأكاديميات الوطنية، “هذا أمر غير معقول”.

وأفادت دراسة جرت مؤخراً أن أجزاء معينة فقط من المحيط تحتوي على المغذيات الضرورية لدعم النمو القوي للأعشاب البحرية. ولمساعدة الأعشاب البحرية على الازدهار خارج تلك المناطق، اقترح بعض العلماء سحب مياه غنية بالمغذيات من أعماق المحيط—وهي عمليها يطلق عليها الدفع البئري الصاعد الاصطناعي. بيد أن هذه التقنية لم تُجرّب أبداً ضمن المدى الضروري لزراعة الأعشاب البحرية ضمن مساحات كبيرة.

وثمة طريقة ليست مفهومة جيداً تطلق فيها الأعشاب البحرية مئات الجزيئات العضوية التي تحمل الكربون وتتحلل في الماء، أو ما يُطلق عليه عادة المادة المخاطية. ويمكن بهذه الطريقة أن يتم إطلاق حوالي 14 بالمئة من الكربون الذي أدمج في الأعشاب البحرية، مع ذلك ما زال العلماء يجرون أبحاثاً بشأن هذه المسألة، ويبدو أن هناك الكثير من التقلبات، وفقاً للمتخصص في الأحياء الميكروبية في المحيطات، Craig Carlson، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا.

وثمة سؤال مفتوح أيضاً، فما مدى السهولة التي تتمكن فيها الميكروبات من استهلاك هذه الجزيئات العضوية، مما قد يطلق الكربون التي تحتويه إلى الجو مرة أخرى. ويقول Carlson، “ما زال الوقت مبكراً لمعرفة ذلك”.

إن التأثيرات الإيكولوجية الناشئة عن إسقاط أطنان من الكتلة الأحيائية إلى قاع المحيط هي أمر غير معروف أيضاً. فإذا عملت الميكروبات على تحليل الأعشاب البحرية، فقد تسلب الأكسجين من المياه أثناء هذه العملية، مما سيقتل أشكالاً أخرى من الحياة. سيتغير أيضاً الموطن المادي، مما قد يعطل الأماكن التي تأوي إليها حيوانات عديدة. وقالت الباحثة Kristen Davis، “باختصار، ليس لدينا فهم جيد لما سيحدث”.

نهج موزّع

في السنوات المقبلة، تخطط شركة Running Tide لإطلاق بلايين العوامات التي تحمل أعشاب بحر، وبأحجام تتراوح ما بين حجم كرة تنس الطاولة إلى حجم كرة السلة، وذلك قريباً من سواحل آيسلندا.

قد ينطوي أمر بناء وتشغيل مزرعة عملاقة وثابتة للأعشاب البحرية في المحيط المفتوح على تحديات مستعصية. ولتتمكن شركة Running Tide من جعل مزرعة الأعشاب البحرية أكثر جدوى، فقد اعتمدت نهجاً قائماً على وحدات معيارية.

وفي السنوات المقبلة، تخطط الشركة لإطلاق بلايين العوامات التي تحمل أعشاباً بحرية، وبأحجام تتراوح ما بين حجم كرة تنس الطاولة إلى حجم كرة السلة، وذلك قريباً من سواحل آيسلندا. وستجول العوامات في المحيط لمدة أسابيع أو أشهر بينما تنمو عليها أعشاب البحر، ثم ستنغمر في المياه بصورة طبيعية ومن ثم ستغرق إلى الأسفل. وتأمل الشركة أنها ستتمكن في نهاية المطاف من إغراق كميات من الكتلة الأحيائية يصل وزنها إلى ملايين الأطنان أو حتى بلايين الأطنان سنوياً.

وفي وقد بعد الظهيرة من أحد أيام أيلول/ سبتمبر الماضي، كان ثمة عدد من التصميمات المتنوعة للعوامات موضوعة قرب مدخل موقع شركة Running Tide في مدينة بورتلاند.

وفي مختبر يقع على الطابق الأولى من ذلك الموقع، كانت عينات أولية من العوامات ترتطم بمياه تتدافع في خزانات تنتج أمواجاً مائية. وبالنسبة لمعظم أنواع الأعشاب البحرية، فإن الطفو على الماء لمدة 3 أشهر قبل أن تصبح مشبعة بالماء يمثل “نوعاً من الفترة المرغوبة” حسبما قال مدير التحقق من المعدات في شركة Running Tide، المهندس Andrew Thompson. وإذا كانت فترة الطفو أقل من ذلك، فقد لا تنموا الأعشاب البحرية نمواً كاملاً قبل غرقها. وإذا بقيت طافية لمدة أطول، فسيكون هناك خطر بأن تنجرف العوامات وتعود إلى المياه الضحلة، حيث يجد الكربون الغارق طرقاً أسهل للعودة إلى الجو.

Seaweed in small flasks in a laboratory setting.
فحوصات تُجرى على خس البحر في أحد مختبرات شركة Running Tide. المصدر: Jennifer Johnson/Running Tide

أطلق مهندسو شركة Running Tide عوامات من قارب على بعد حوالي 160 كيلومتراً من شواطئ آيسلندا، واستخدموا معارفهم بتيارات المحيط ليتوقعوا أين سينتهي بها الأمر. وتتضمن كل عملية إطلاق أجهزة تتبّع باستخدام النظام العالمي لتحديد المواقع بالإضافة إلى كاميرات لمعرفة ما إذا كانت التوقعات قد تحققت أم لا. وقد أُطلقت مجموعة كبيرة من العوامات في الصيف الماضي ووصلت إلى المنطقة المستهدفة بالقرب من سواحل غرينلاند، حيث تمتلئ المياه في سطح المحيط بمغذيات، كما أن عمق المياه كبير.

يتجنّب النهج الموزع لزراعة الأعشاب البحرية تكوين ظل فوق الكائنات الحية التي تعيش تحت السطح، كما يتفادى التحديات اللوجستية التي ينطوي عليها إنشاء مزرعة ثابتة.

ولكن ثمة مساومة تجري: فمن الصعب مراقبة الأعشاب البحرية الغارقة للتأكد من أنها لا تتحلل وتطلق غازات الدفيئة من جديد إلى الجو، أو أنها لا تترك تأثيرات بيئية سلبية. ومن الأهمية الحاسمة إجراء أبحاث استباقية بشأن مثل هذه التأثيرات للتحقق من أن هذا النهج يحد بالفعل من تغير المناخ، حسبما يقول المتخصص في البيولوجيا الكيميائية للمحيطات Matthew Long من منظمة [C]Worthy، وهي منظمة بحثية غير ربحية متخصصة بنماذج دراسة المحيطات. ويقول، “ثمة خطر حقيقي كبير ينشأ إذا لم يكن بوسعنا تحديد كمية هذا التأثير، وهو أن سوق الكربون الذي ننشئه … قائم على تظاهر كاذب”.

وأيد ذلك الباحث Steven Davis، وهو متخصص في أنظمة الأرض من جامعة كاليفورنيا في آرفينغ، ويقول إن تقييم تأثير الأعشاب البحرية الغارقة “صعب بحد ذاته، حتى لو عرفنا كمية الأعشاب البحرية التي جنيناها وأغرقناها”. كما أن ترك الأعشاب البحرية تطوف لوحدها يزيد من صعوبة الأمر.

واعترف Thompson بأن الطبيعة التوزيعية للمشروع “تضع الكثير من العبء على تقنيات التحقق التي بحوزتنا”.

وتراقب شركة Running Tide ظروف المحيط في المكان الذي تغرق فيه العوامات وما يجاوره، وذلك باستخدام أجهزة عائمة ومن خلال أخذ عينات بواسطة السفينة التي تستعملها لإطلاق العوامات.

A diver is photographed from below with clumps of Sargassum floating above them, at the surface of the water.
غواص يخوض في كتلة من أعشاب السرجاسام البحرية. المصدر: Daniel/Dan Eidsmoe/Flickr, CC BY 2.0

إغراق أعشاب السرجاسام

بينما تقوم شركة Running Tide بشحن الأعشاب البحرية المزروعة في المختبرات ومن ثم تنقلها إلى وسط المحيط، يهدف العلماء في شركة تدعى Seafields إلى إقامة مزرعة للأعشاب البحرية في المحيط المفتوح. وتخطط الشركة أن تكون قد أنشأت بحلول بدايات عقد الثلاثينيات من القرن الحالي مزرعة مساحتها 65,000 كيلومتر مربع في الدائرة المحيطية دون المدارية في جنوب المحيط الأطلسي، والواقعة بين البرازيل وناميبيا. وفي نهاية المطاف، تأمل الشركة بتوسيع المزرعة لتصل مساحتها إلى 94,000 كيلومتر مربع—أي مساحة تزيد قليلاً عن مساحة البرتغال.

“إن إمكانية التوسع [في زراعة أعشاب السرجاسام البحرية] هائلة”.

سيستخدم هذا الجهد الهائل أسلوب الدفع البئري الصاعد الاصطناعي لاستكمال المغذيات في هذه المنطقة التي تتسم بمستوى مغذيات منخفض بصفة طبيعية، حسبما قالت الباحثة المتخصصة بالكيمياء الأحيائية، Miriam Philippi، من معهد آلفريد واغنر (Alfred Wegener Institute)، وهي مستشارة علمية للمشروع. ووفقاً لحساباتها، تكفي مساحة بحجم مدينة لندن لزراعة كمية كافية من الأعشاب البحرية لتخزين 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وقالت، “إذا فكرنا كم هي صغيرة هذه المساحة بالمقارنة مع وسط المحيط، فإن إمكانات التوسع هائلة”.

ستنطوي إقامة مثل هذه العمليات والمحافظة عليها تحديات عديدة. وتتصور الشركة أن المرفق الذي ستنشئه في البحر سيستضيف مئات الموظفين يعملون في نوبات تستغرق عدة أشهر. وستكون هناك حاجة إلى تقنيات جديدة لدعم نظام الدفع البئري الصاعد الاصطناعي. ويجب أن تكون المنشأة بأكملها قادرة على تحمل العواصف والتيارات المائية. وقالت الباحثة Philippi، “ما تزال فكرة المحافظة على هذه الهياكل الأساسية فكرة مستقبلية”.

وقال Matthew Long، قد يكون من الصعب رصد تأثير مثل هذه المزرعة الكبيرة. ولكن على الأقل سيكون موقعها ثابتاً. وقالت الباحثة المتخصصة بالكيمياء الحيوية، Morgan Raven، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا “أنا أجد ذلك أكثر إقناعاً بكثير من … أن ندع كل شيء يطوف في المحيط ثم يغوص في مرحلة ما”. وتعمل Raven مستشارة لشركة Seafields.

وأضافت القول، “هذا المشروع محدد ضمن إطار معين، ويتيح الفرصة لإرسال بعض أجهزة الاستشعار إلى عمق المحيط” مع الأعشاب البحرية.

ويعمل العلماء في شركة Seafields حالياً في موقع تجريبي في البحر الكاريبي، حيث يعكفون على إيجاد أفضل السبل لمسائل عملية من قبيل أفضل طريقة لحزم الأعشاب البحرية بحيث تغوص في الماء بسرعة.

وحالما تصل الأعشاب البحرية إلى قاع المحيط، يكون مصيرها غير محدد—إذ يمكن ببساطة أن تظل هناك، أو ربما ستتحلل مما يحولها إلى غازات دفيئة من جديد، حسبما قالت الباحثة Kristen Davis. وبغية تقليص فرص حدوث تبعات غير مقصودة إلى الحد الأدنى، ثمة شركة تدعى Carboniferous تأمل باستخدام المناطق المنقوصة الأكسجين في البحر لتخزين الكتلة الأحيائية فيها.

يظل نشاط الميكروبات مقيداً دون وجود الأكسجين، مما يعني تقليص أرجحية تحوّل الكتلة الأحيائية مرة أخرى إلى ثاني أكسيد الكربون. (مع ذلك، يشعر بعض الناس بالقلق من أنه من دون وجود أكسجين، فإن الميكروبات ستحوّل الكتلة الأحيائية إلى ميثان، وهو غاز قوي من غازات الدفيئة). أن القوى التي تبقي الأكسجين خارج المناطق المنقوصة الأكسجين، من قبيل التدرج المفاجئ في الملوحة، هي نفسها القوى التي تبقي تأثيرات الأعشاب البحرية محددة بمناطق معينة، مما يعني أن التبعات غير المقصودة لن تنتشر إلا ضمن ذلك الإطار، حسبما قالت الباحثة Raven، وهي مسؤولة عن قسم العلوم في شركة Carboniferous. وأضافت بأن البحر الأسود، على سبيل المثال، “عميق جداً، ويتقلّب فيه الماء ببطء شديد”. وتشير تقديرات أولية أن البحر الأسود يمثل مكاناً مثالياً لاحتجاز حوالي 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون. وتركّز شركة Carboniferous على إغراق الكتلة الأحيائية من المخلفات الزراعية التي تنمو على الأرض، ولكن قد ينطبق المبدأ نفسه على تخزين أعشاب البحر.

اتفق الباحث Long مع الرأي بأن المادة العضوية تتحلل ببطء على الأرجح في المناطق المائية المنقوصة الأكسجين، وفي الوقت نفسه قال “أعتقد أنه يجب إجراء مزيد من الأبحاث لتحديد التأثيرات المحتملة، وضمان بأن توقعاتنا بهذا الشأن مدعومة بأدلة”. وقد قدمت شركة Carboniferous طلباً إلى وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة للحصول على تصريح كي تبدأ بجمع مثل هذه الأدلة من خلال اختبار نظامها في منطقة منقوصة الأكسجين في خليج المكسيك.

استعادة غابات الأعشاب البحرية

تُعرف الباحثة Xu Ben Zhang في شركة Kelp Blue بلقب “مزيلة الكربون”، حيث تساعد الشركة تقليص انبعاثات الكربون التي تطلقها إلى الحد الأدنى، بينما تستخدم الأعشاب البحرية لتقليص عبء تغير المناخ. وهي تعتبر أن غمر الأعشاب البحرية هو هدر إلى حد ما.

“أنا لا اعتبر أنه [حصد غابة الأعشاب البحرية] حل سحري لتغير المناخ”.

وبدلاً من ذلك، تنوي شركة Kelp Blue زراعة غابات من الأعشاب البحرية العملاقة قرب شواطئ ناميبيا ونيوزلندا وألاسكا، وسيغرق ما بين 7-11 بالمئة منها بشكل طبيعي إذ تنكسر فروعها وتستقر في قاع المحيط، حسبما تشير الأبحاث الأولية. وتخطط الشركة إلى بيع اعتمادات بناء على الكربون الذي تحتجزه بهذه الطريقة، إلا أن الأموال ليست أمراً مركزياً لنموذجها في تسيير العمل. وبدلاً من ذلك، تخطط الشركة لحصد ما بين 10 إلى 20 بالمئة من الكتلة الأحيائية لغابة الأعشاب البحرية ومن ثم استخدامها في إنتاج سلع مستدامة بيئياً، من المنتجات الزراعية من قبيل المحفزات الحيوية التي يمكن أن تجعل المحاصيل مقاومة للجفاف، وإلى إنتاج بدائل للمنتجات البلاستيكية والجلدية.

وقالت الباحثة Zhang، “أنا لا اعتبر أنه [حصد غابة الأعشاب البحرية] حل سحري لتغير المناخ”، بل تعتبره بديلاً أكثر أمناً—وينطوي على إمكانات أقل بالتسبب بتبعات غير مقصودة—مقارنة بخلق مكب للأعشاب البحرية في قاع المحيط.

واتفق الباحث Long مع هذا الطرح، إذ قال “قد يكون لاستعادة النظام الإيكولوجي للأعشاب البحرية فوائد إيجابية للأنظمة الإيكولوجية الساحلية المحلية وللمجتمعات المحلية الساحلية؛ وقد يحقق فوائد اقتصادية مهمة للمزارعين المحترفين؛ ويمكن أن يوفر فرصاً لبث انبعاثات جيدة. ولا أتصور أن هذا الحل قابل للتوسيع لمعالجة أزمة المناخ”.

لكن ثمة باحثين آخرين أكثر حماساً لهذا النهج، فقد أظهرت النماذج التي أعدها الباحثان Steven Davis، و Kristen Davis، وزملاؤهما، أن استخدام الأعشاب البحرية لاستبدال المنتجات الزراعية التي تنتج كميات كبيرة من غازات الدفيئة (مثلاً فول الصويا) يمثل طريقة رخيصة نسبياً لتحديد كمية ثاني أكسيد الكربون في الجو. وقال Steven Davis “هذا يمثل صفقة أفضل من مجرد محاولة إغراق الأعشاب البحرية”.

يتمثل الهدف النهائي لشركة Kelp Blue في نقل إدارة أول مزرعة ستنشئها إلى ناميبيا، وتعمل الشركة حالياً على تدريب السكان المحليين من قبيل Protasius Mutjida، الذي كان يعمل في عام 2021 مدرس علوم في مدرسة ومستشاراً في شؤون البيئة في مدينة لوديريتز في نامبيا، وقد سمع آنذاك بأن الشركة ستباشر أعمالاً في مدينته.

كان Mutjida طالباً في مرحلة الماجستير في جامعة ناميبيا ويعمل في مؤسسة غابة أعشاب البحر (Kelp Forest Foundation)—وهي مجموعة بحثية أسستها شركة Kelp Blue وتسعى إلى معرفة الكيفية التي تقوم فيها الأعشاب البحرية بتخزين الكربون، وتخفيض انبعاثات الكربون، وتأثيرها البيولوجي والكيمائي على المحيط. وقبل أن تبدأ الشركة بزراعة الأعشاب البحرية، ساعد Mutjida في تحديد خصائص خط الأساس الكيميائي للمحيط بالقرب من ساحل مدينة لوديريتز. والآن بعد أن أصبحت المزرعة جاهزة وتعمل، بوسع Mutjida مقارنة القياسات الجديدة مع خط الأساس الذي حدده ثم تتبّع الكيفية التي تؤثر فيها المزرعة على النظام الإيكولوجي المحلي. وقال إن رؤية المزرعة تصبح أمراً واقعاً “هو أمر مؤثر جداً وعاطفي ورائع”.

وقال Mutjida إن ثمة عديدين من السكان المحليين تأثروا إيجابياً بعمليات شركة Kelp Blue، كما أن عدد أطفال مدينة لوديريتز الذين يريدون أن يصبحوا متخصصين في الأحياء البحرية ازداد ازدياداً هائلاً.

وثمة آخرون ينظرون نظرة أكثر شمولاً، فعلى امتداد العقدين الماضيين، على سبيل المثال، ازداد عدد الحكومات والشركات من الشمال العالمي المهتمة بالحد من تغير المناخ في أفريقيا ازدياداً كبيراً، حسبما قالت الباحثة Nana Ama Browne Klutse، وهي متخصصة في علم المناخ في جامعة غانا بمدينة ليغون. ويعكف بعض هذه الجهات على تمويل باحثين مثلها ليدرسوا الكيفية التي تتغير فيها المنطقة وكيف يمكن للناس أن يتكيفوا مع التغيير. فيما ترغب جهات أخرى في أن ترى الأفريقيين يعوضون عن الانبعاثات التي تخرج من الشمال العالمي، مثلاً من خلال زراعة الأشجار أو المحافظة على الأشجار الموجودة.

وقد واجهت بعض المشاريع انتقادات لأنها تستخدم موارد على نحو غير عادل من الجنوب العالمي لتصحيح المشاكل التي تسبب بها الشمال العالمي أساساً—وهذا جانب مما أصبح يطلق عليه الاستعمار البيئي. وفي بعض الحالات، تم ربط مثل هذه البرامج بانتهاكات لحقوق الإنسان. ففي منطقة آلتو مايو في بيرو، على سبيل المثال، تم تدمير بيوت بغية إيقاف إزالة الغابات.

وقالت Klutse إنها تتمنى أنه تتوفر للبلدان الأفريقية أموال وموارد لتمويل العمل المناخي بنفسها، ولكن “للأسف، لا يتوفر لنا ذلك”. لذا بدلاً من ذلك، “يمكنني القول إننا نعود إلى الاعتماد على السادة الاستعماريين، أو أننا نحصل على دعم من البلدان المتقدمة”. ويمكن أن تبدو هذه العلاقات بأنها غير مريحة أحياناً، خصوصاً عندما تعمد جماعات خارجية إلى وضع قيود على الكيفية التي بوسع الباحثين الأفريقيين إنفاق التمويل.

وفي الوقت نفسه، تقول Klutse إنها مسرورة لأن ترى أنه يتم التصدي لتغير المناخ، ولا تنزعج عندما تُستخدم الموارد الأفريقية، وتساءلت بالقول “نحن جميعاً نواجه هذا الأمر معاً، لذا إذا كانت لدينا القدرة لدعم الحد من تأثير تغير المناخ، فلمَ لا نقوم بذلك؟”

التقاط الأعشاب البحرية الطبيعية

إذ يعكف الناس على زراعة كميات هائلة من الأعشاب البحرية، ثمة آخرون يتعاملون مع تدفقات كبيرة منها. فعلى امتداد السنوات الـ 12 الماضية، انتشر طحلب السرجاسام انتشاراً طبيعياً في المنطقة المدارية من المحيط الأطلسي وذلك لأسباب غير واضحة. وتنجرف هذه الأعشاب البحرية إلى شواطئ البحر الكاريبي وتتحلل هناك.

وقالت المهندسة المدنية، Valeria Chávez، من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، وتدرس الاستخدامات الممكنة للأعشاب البحرية، “إنها فظيعة فعلاً”. فإضافة إلى أن هذه الأعشاب البحرية تتسبب بأضرار بيئية، يمكن لضفائر السرجاسام أيضاً أن تكون مصدراً لثاني أكسيد الكربون والميثان. كما أن الأعشاب البحرية المتعفنة والكريهة الرائحة تردع السواح عن زيارة الشواطئ، مما يقيد مصدر الدخل الرئيسي للمنطقة.

Piles of Sargassum mar an otherwise picturesque beach.
أكوام من أعشاب السرجاسام البحرية على شاطئ بونتا تونا في بورتوريكو. المصدر: BrickLightning/Wikimedia Commons, Public Domain

وقال الباحث Ajit Subramaniam، المتخصص بالميكروبات في المحيطات والذي يعمل في مرصد لامونت-دويرتي للأرض (Lamont-Doherty Earth Observatory) في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، يمكننا إغراق الأعشاب البحرية قبل أن تصل إلى الشواطئ.

وبناء على بيانات من ورقة علمية نُشرت في عام 2021، يُقدّر Subramaniam أنه يمكن التقاط 100,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً باستخدام الأعشاب البحرية التي تنمو بطريقة طبيعية، وهو لا يجد غضاضة في ذلك، إذ يقول “أنا شخصياً غير مقتنع بالحجة التي تقول إما أن نحجز مليون طن أو أننا سنواجه الفشل”.

وهو يقيم الحجة بأن حجز العديد من الكميات الصغيرة من الكربون، بدلاً من كمية واحدة كبيرة، سيقلص خطر التبعات غير المقصودة والواسعة النطاق المرتبطة بإقامة مزارع للأعشاب البحرية كما سيتلافى القضايا اللوجستية الناجمة عنها.

“يجب أن نتوقف عن التفكير في البحر وكأنه ثقب أسود كبير”.

هناك شركتان على الأقل تعملان على إغراق الأعشاب البحرية التي تنمو نمواً طبيعياً. ففي المملكة المتحدة، تعكف شركة Seaweed Generation على تصميم روبوت يعمل في الماء يمكنه فصل أعشاب السرجاسام عن سطح المياه ثم غمرها تحت مسافة 150 متراً تحت السطح، حيث يكون الضغط عالياً بما يكفي لتفجير أكياس الغاز التي تبقي هذه الأعشاب طافية. وفي هذه الأثناء، ثمة شركة في الجمهورية الدومينيكية تدعى SOS Carbon وهي تريد التعاقد مع أفراد يملكون قوارب صغيرة لجمع الأعشاب البحرية في شبكات، ثم نقلها إلى قوارب أكبر، حيث يتم ضخها إلى عمق كافٍ كي تغرق غرقاً طبيعياً.

ليس الجميع مرتاحين لفكرة إغراق أعشاب السرجاسام البحرية، سواء الطبيعية منها أم المزروعة. وقالت الباحثة Chávez ، “يجب أن نتوقف عن التفكير في البحر وكأنه ثقب أسود كبير. إن التأثيرات الطويلة الأجل [لإغراق الأعشاب البحرية] غير معروفة في واقع الأمر”.

ويقول الباحث Long إنه عندما يفكر بالاستراتيجيات المتعلقة بالأعشاب البحرية بصفة عامة، فإنه يرى حاجة للموازنة بين انعدام اليقين في هذا المجال وبين الحاجة الملحة لإيقاف تغير المناخ، ويضيف “أعتقد اعتقاداً قوياً بأننا يجب أن نتبنى موقفاً متسامحاً إلى حد ما بشأن انعدام اليقين في الوقت الحالي”. ومن ناحية أخرى، يحتاج العلماء إلى إطار لتقليص انعدام اليقين مع مرور الوقت للتحقق من أن سوق الكربون يحل المشكلة التي أعد هذا السوق لمعالجتها.

ويقول، “نحن بحاجة إلى أنظمة لرصد الجودة والسوق الآن، ولكن لا يمكن تكريس هذه الأنظمة بوصفها هيئات مصمتة وثابتة، فيجب تكريسها بوصفها إجراءات من المتوقع أن تتطور وأن تنمو”.

بقلم: Salma May Sidik، (@saimamaysidik) كاتبة في مجال العلوم

Text © 2023. The authors. CC BY-NC-ND 3.0
.Except where otherwise noted, images are subject to copyright. Any reuse without express permission from the copyright owner is prohibited